الحلي التقليدية في ولاية أدرار

تعتبر الدراسات الخاصة بالتراث الشعبي من بين المواضيع الأكثر شيوعا بين الانثروبولوجيون، و علماء الاجتماع.
ومن خلال دراسة مواضيع الثقافة الشعبية بشقيها المادي و اللامادي نستطيع الحفاظ على هوية الأمة و حمايتها من الاندثار.
معتمدين في دراستنا لهذا الموضوع على أكثر من منهج؛ حيث المنهج الوصفي بمختلف أدوات جمع البيانات من ملاحظة و مقابلة متخذين المنهج التاريخي كمرجع في بعض التحليلات ومعتمدين في الآن ذاته على المدخل السيكولوجي في تحليل بعض الرسومات.
وقبل التطرق للموضوع بإسهاب، لا بد أن نقوم ببناء مفاهيمي حول الموضوع، فمفهوم كلمة حلي اصطلاحا تعني: ‘‘ حلى أي صارت ذات حلي، ألبست حليا، و الحلي ما يتزين به من المصوغات. *
أما إجرائيا – التعريف الميداني-:‘‘ الحلي هي الوسائل و الأشياء التي توضع للزينة، بحيث تعبر عن موضوع التفاعل الحاصل بين الأفراد،بمعنى هناك حلي تلبس في الأيام العادية، وحلي تلبس في المناسبات، و طبيعة الزخرفة تعبر عن طبيعة المناسبة ، ومكانتها عند الأفراد، ومستواهم الاقتصادي و الثقافي، والحلي الموجود على مستوى منطقتنا، نميز منها الأساور الفضية و غير الفضية ،الحلي الذي يوضع في العنق، وكذا الخلخال الذي يوضع في الرجْل و هناك بعض الحلي يوضع على الشعر‘‘.
الأمر الذي علينا إدراكه هو أن للحلي وظيفة اجتماعية ، ثقافية أكثر منها وظيفة جمالية، و الحلي التقليدي ما هو إلا نتيجة للبيئة الجغرافية حيث أن صناعتها تتحدد بحسب الجو الإيكولوجي، وهو ما ذهب إليه مولي قائلا: ‘‘ تثبت الأدلة أن البيئة الطبيعية تؤثر في التصرفات الإنسانية بصورة محددة و مرنة.

يعتبر الحلي إكسسوار جمالي سينعكس نفسيا على مرتديه، يقول مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة: ‘‘ فالجمال الموجود في الإطار الذي يشتمل على ألوان و أصوات... يوحي للإنسان بأفكاره و يطبعها بطابعه الخاص من الذوق الجميل... و بالذوق الجميل الذي ينطبع
فيه كل فرد يجد الإنسان نفسه نزوعا إلى الإحسان للعمل

عرض الأسباب:
في عصر العولمة و الرقمنة و التطور السريع وتداخل الثقافات، لم نعد ندرك ملمحا واضحا لثقافة دون أخرى، و صارت تندثر شيئا فشيئا مع فقدان شيء كبير من الماضي.
وهو ما لاحظناه عند إجرائنا لبحث الحلي التقليدي، الذي صار نادر الوجود أو آيلا للزوال.
في القديم كانت الحلي إما من الذهب أو الفضة، و لكن مع الأزمات الاقتصادية التي مرت و يمر بها العالم، و التغيرات الحاصلة في سوق البورصة، و ارتفاع معدلات التضخم الكبيرة الحاصلة على مستوى الدول  و التغيرات السياسية و تفاقم المجاعات، أضحى الحلي التقليدي بمثابة كنز لأصحاب المنتقيات الأثرية لبيعها في المزادات العالمية.
أما الأشخاص الذين يملكون هذه الحلي، نلاحظ أنهم إما أعادوا صناعتها بزي عصري أو باعوها لظروف معينة.
و من بين الأسباب التي أدت إلى اندثار الحلي التقليدي نميز:
-رحيل الأشخاص الأوائل الذين كانوا يستعملونها ووارثيها لا يدركون قيمتها وأصالتها.
- ازدحام المنطقة بأكثر من ثقافة بسبب تعدد الثقافات في إطار مشاريع التنمية، حيث نميز وجود جميع أطياف المجتمع الجزائري من أقصاه إلى أقصاه وهو ما ادى الى اضمحلال الثقافة الأصلية للمنطقة، حيث لاحظنا أن بعض العائلات فقط لا تزال مرتبطة  بعادات المنطقة.
- غياب وندرة حرفيي الصناعات التقليدية بسبب:
01 – غياب أصحاب الحرفة في المنطقة، وعزوف الأبناء عن هذه الحرف.
02- عدم اهتمام الشباب بحرفة الصناعة التقليدية للحلي بسبب:
        ندرة المواد الأولية وغلائها وقلة مردودها المادي.
        البحث عن الكسب السريع عن طريق النزوح للمدينة.
       عدم وجود مراكز متخصصة لتكوين الشباب الخاصة بصناعة الحرف التقليدية.
03- تأثير وسائل الإعلام على أفكار المجتمع، وانتقال المجتمع إلى سياق التحديث لا الحداثة.
04- بسبب الظروف الاقتصادية العالمية، ومحدودية القدرة الشرائية لدى الأفراد،بات انتقاء الحلي التقليدي ذو الوزن الثقيل من الفضة أو الذهب أمرا يكاد يكون مستحيلا، مما أدى  بالأشخاص إلى انتقاء الذهب المقلد المعروف ‘‘بالبلاكيور‘‘.
تاريخ الحلي التقليدية

         نظرا لتنوع التركيبة البشرية في منطقة توات، الأمر الذي يجعلنا نستنتج مدى تنوع الحلي في هذه المنطقة، يقول محمد بن عبد الكريم عن مجيء البربر إلى المنطقة:‘‘  أن البربر دخلوا إلى منطقة توات بسنوات كبيرة و استقروا بها و قد دخلوها بعد سقوط دولة زناته‘‘ *.
         وهو الأمر الذي سنلحظه في بعض الحلي المنقوشة بالكتابات الزناتية و التي أضيفت عليها بعض النقوش البربرية وهذه اللغتين متقاربتين مع بعضهما ، كما هو موضح في الصورة.
         و نميز وصول العرب إلى منطقة توات:‘‘ حيث مارسوا التجارة و استقروا بتوات‘‘*، إذاك دليل بصمة العرب على الحلي التقليدي وهو ما نلاحظه في النقوش التي تظهر على أنها ذات طابع إسلامي، ونميزها في رسوم الورود و السنابل  على الحلي، و كذا الأشكال الهندسية مثل المثلث و تلك الخطوط المتوازية آخذة مظهر العمارة الإسلامية، و الشكل ذاته موجود على الجدران آخذا نفس اللمسات البربرية الزناتية بقورارة.         وما يفسر لنا مدى تنوع الحلي من الذهب و الفضة بسبب التبادل التجاري و خبراء مهنة الصياغة ما أشار إليه صاحب النبذة قائلا: ‘‘ ذًكرَ أنه في منطقة تمنطيط وحدها كان بها ما يقارب حوالي363 سائغ‘‘*.

        كما نميز فئة أخرى استقرت بمنطقة توات هم النازحون من السودان*، وهو ما يجعلنا نستنتج سبب وجود بعض الزخارف الإفريقية إن صح التعبير المتميزة بألوانها الفاقعة.
        وما أردنا التنويه إليه، هو أن أصحاب المنطقة يذهبون في قصدهم منطقة السودان جميع الدول الإفريقية ذات البشرة السمراء من دون استثناء.
        و صرحت لنا سيدة مخضرمة من المنطقة،انه من بين الأشخاص الذين ساهموا في صناعة  حلي العقيق الموجودة و المتميزة بها منطقة تيميمون شخص كان يعمل لدى  للفرنسيين في الأعمال التجارية، وكان يأخذ مقابل عمله بعضا من النقود و بعضا من العقيق ، وعند استيفائه كمية معتبرة،ذهب بها الى تيميمون وفتح محل تجاري، فأضحوا يسمونه:مولاي احمد التعقايين*، والتي تعني بالزناتية– العقيق-*.
        الشيء الذي نستنتجه، أن صناعة الحلي التقليدية في المنطقة قد تطورت بفضل المبادلات التجارية، ونلاحظ أنها تراوحت ما بين الحلي النفيسة و الحلي البسيطة مثل العقيق، وهو ما يدفعنا إلى الإقرار بوجود تفاوت اجتماعي  طبقي في المنطقة آنذاك ، و هذا جلي في انتقاء الحلي.

        أما منطقة توات، فكانت تغلب عليها صناعة الفضة من طرف الحدادين الذين كانوا يشتغلون في النحاس و الحديد، و كانوا يسمونهم :‘‘ المعاليم ‘‘ بكسر اللام الذين ورثوا الصنعة أبا عن جد، و نادرا ما كانوا ينتقون الذهب، إلا الأقلية القليلة التي كانت تشتغل بالتجارة، وأن النساء اللواتي كن تشترين الذهب، أغلبهن تعملن بالنسيج و تجمعن النقود وتشترينه به، و غالبا ما كان الذهب يأتي من المملكة العربية السعودية، على شكل ما يسمى ‘‘لويزة الذهب‘‘.