العرس التقليدي في جيجل
تتميز ولاية جيجل بتنوع موروثها الثقافي اللامادي و تعدده، و يعتبر الزواج التقليدي إحدى أهم عناصره، و الملاحظ عند إجراء بحث حول موضوع الزواج التقليدي بولاية جيجل بروز عدة خصائص و مميزات تميزه من منطقة إلى أخرى عبر ربوع الولاية ، سواء من حيث مراحله أو طقوسه أو الوليمة المقدمة فيه.
الإجراءات و الطقوس التي تسبق العرس:
يأتي يوم الزفاف أو العَرْسْ - كما يطلق عليه محليا- بعد عدة مراحل هي كالآتي:
أ- التعيينة أو الشوفة: بعد الإتفاق الذي يحصل بين رجال العائلتين ، تتوجه بعض النسوة من عائلة الرجل عند عائلة الفتاة ، ليحصل أول لقاء بين العائلتين و رؤية الفتاة لأول مرة ، و هنا تقدم أم العريس خاتما للعروس و بعض الهدايا.
ب- الخطبة: بعد التعيينة يحدد يوم الخطبة ، و يكون حفلا كبيرا تدعى إليه العائلة و الأصدقاء و الجيران ، و فيه يقوم أهل العروس بتحضير عدة أصناف من الحلويات و إعداد مأدبة العشاء التي تتكون من طبق الكسكس أو الدويدة كطبق رئيسي لأهل العريس و جميع الحضور. خلال حفل الخطبة يحضر أهل العريس للعروس الصداق و المتمثل غالبا في طقم من الذهب ، كما يتم إحضار الحقيبة التي تحتوي على مختلف الملابس و العطور و إحضار الطبق و هو سلة مزينة تحتوي على الأحذية و آخر للفواكه و صينية كبيرة من البقلاوة أما في الريف فتضاف صينية من الطمينة التقليدية، و خلال الحفل تقوم أم العريس أو أخته بإلباس العروس صداقها بالإضافة إلى خاتم الخطبة.
عند انتهاء الحفل و خروج أهل العريس يأخذون معهم كيسا من الدقيق و قالبا من البيض و الزيت لإعداد الغرايف (البغرير) غدا و إرسال صحن معتبر منه لأهل العروس.
و هنا تجدر الإشارة أنه عند إجراء الخطبة يقوم الأهل بقراءة الفاتحة في المسجد.
ج- العقد: يتفق أهل العروسين على تاريخ للذهاب إلى البلدية رفقة الشهود، و يمضي الزوجين على الوثائق الإدارية و بالتالي تسجيل عقد الزواج رسميا.
التحضيرات ليوم العرس:
أ- عملية تحضير الكسكس يسمى محليا "الفتيل":
قبل أيام من تاريخ العرس، تجتمع النسوة في بيت العريس و هذا من أجل مساعدتهم في إعداد الكسكس و الشخشوخة، و التي ستقدم في مأدبة العشاء أثناء العرس،حيث تحضر ربة البيت كل مستلزمات هذه العملية من صحون و قصيع و الغربال، و تكون النسوة في الغالب من اللاتي يجدن هذه العملية.
و بعد إعداد الكمية اللازمة تقوم ربة البيت بعرضها لكي تجف، ثم توضع في أكياس لتستعمل يوم العرس، و يرافق هذه العملية أداء بعض الأغاني و الأناشيد الدينية .
ب- تحضير الحلويات:
يتم تحضير عدة أنواع من الحلويات سواء التقليدية أو العصرية و التي تقدم أيام العرس مع القهوة و الحليب للمدعوين، و تجمع عدة أنواع من الحلويات (غالبا ما تكون خمسة أنواع) داخل علب مخصصة لهذا الغرض لتوزع على المدعوين يوم العرس و هذه العلب تسمى محليا (القْفِيفَاتْ).
و يسبق هذه التحضيرات شراء العجل الخاص بالعرس و الذي يذبح قبل يوم العرس .
بداية العرس:
في البداية تجدر الاشارة الى أن يوم العرس تسبقه عدة أيام لها مسميات مختلفة ، تتمثل في اليوم الذي يسبق العرس و له اسم خاص بالمنطقة، عند العريس يسمى "الفال" و عند العروس يسمى "التصديرة أو الحضرة" وهذا اليوم يسبق بأول يوم و هو يوم "الزليقة" .
يوم الزليقة: هو اليوم الذي يقوم فيه أهل الفتاة بدعوة جميع الأهل و الأقارب ، و يطلق على هذا اليوم إسم الزليقة في مدينة جيجل و ما جاورها أما المناطق الريفية على غرار منطقة جيملة و تاكسنة و غيرها فيسمى بيوم " الحنة دي بوها دي العروس"، حيث أن ما يميز هذا اليوم هو وضع الحنة للعروس من طرف أهلها كأمها أو أختها أو إحدى قريباتها كالعمة أو الخالة ، و يسبق وضع الحنة تحضير العشاء و يكون فيه طبق البركوكس طبقا رئيسيا مع أطباق أخرى خاصة المتوم و السلطات، كما ان هذا اليوم هو اليوم الذي يأتي فيه أهل العريس لأخذ الشورى ( الشورى هي حاجيات العروس) إلى بيت العروس الجديد.
يوم الفال: و هو اليوم الذي يسبق حفل العرس ، تبدأ فيه التحضيرا منذ الصباح، هذا اليوم مخصص للاهل و الجيران فقط ، و فيه يذبح العجل يحضر فيه الكسكس أو طبق الشخشوخة كطبق رئيسي، و هو اليوم الذي يذهب فيه اهل العريس الى بيت العروس لاجراء بعض التدابير التكميلية كوضع الذهب على العروس و كذا الحنة (هذه العادة يتميز بها خاصة سكان الأرياف)، ، و تكون ليلا بعد مأدبة العشاء، و يرافق وضع الحنة بعض الأناشيد و الابتهال للصلاة على الرسول صلى الله عليه و سلم منها:
بسم الله بسم الله و الحمد لله و الصلاة على النبي رسول الله
بسم الله صليت على النبي و بديت و المصباح في البيت مضوي عينيا
يا ربي يا الغفار تغفرلي السيا في حرمة الرسول خاتم الانبيا
يا نبينا يا نبينا و انت تشفع فينا فاطمة بنت النبي و صي باباك علينا
التصديرة أو الحضرة (تسمى الركبة في الريف ): و هو خاص بالعروس قبل هذا اليوم تكون حفلة خاصة بالعروس مع اهلها و صديقاتها و تسمى محليا " الحنة دي بوها " او" الزليقة "، اما يوم التصديرة فيدعى فيه الجيران و الاقارب و كل احباب العائلة، وتحضر مادبة العشاء و التي يأتى بها أهل العريس و التي تسمى " بالفرخة " او" لعشا تاع العروس" و المتكونة من الكبش و السميد و الزيت ... (تجدر الإشارة إلى ان عادة إحضار مستلزمات العشاء لا تتواجد بمدينة جيجل و ضواحيها ، حيث أن جميع المستلزمات يقوم والد العروس بشرائها من ماله الخاص)، بعد العشاء المخصص للنساء ، حيث أن الرجال يتم دعوتهم على الغداء المتكون من طبق الكسكس و الفريك و السلطة و الفاكهة (في مدينة جيجل نحذف طبق الفريك) ، تقوم العروس بعرض جميع الأزياء التي قامت بتصميمها بمناسبة زفافها و لهذا تسمى التصديرة ثم توزع الحلويات على المدعوين رفقة المشروبات.
يوم العــَـــــرْسْ:
في صبيحـة هذا اليـوم يكون أهـل العريس على موعـد هام و حافل، حيث تحضــر مأدبة الغذاء و التي يحضرها الأهل و الجيران، و بعد صلاة العصر يجهز موكب متكون من العشرات من السيارات تتقدمها سيارتين مزينتين بالورود خاصة بالعروسين ، و يشترط على أبو العريس ان يكون في المقعد الأول في سيارة العروس.
و الجدير بالذكر أن هناك طقوس محددة يجب اتباعها و تنفيذها قبل إخراج العروس من بيت أبيها ، و خاصة في المناطق الجبلية تتمثل أساسا في عادة " الشكيمة" و التي تنص على أن والد العريس يعطي سائق السيارة الخاصة بالعروس مبلغا من المال يحفظه عنده ، و عند وصول الموكب إلى بيت العروس يطلب والدها من السائق إعطائه المبلغ المالي الذي لديه و لا تخرج العروس من بيت أبيها إلا بعد استلامه للمبلغ .
و هناك عادة أخرى حيث عند وصول الموكب إلى بيت العروس تعلق حبة بيض في مكان بعيد و عالي و يطلب من أحد رجال أهل العريس التصويب عليها و إسقاطها ، و عند إسقاط حبة البيض تخرج العروس من بيت أهلها ، و لهذا يختار شخص يجيد الرماية، و الملاحظ أن هذه العادات اندثرت و لم تعد موجودة بالمنطقة.
يصل الموكب في جو بهيج فيه من قرع الطبول و دق الممزامير و الزغاريذ إلى بيت العروس، و بعد دقائق معدودة تحمل العروس و ينطلق الموكب لأخذ جولة قصيرة، و هنا يوجد اختلاف بسيط بين العرس في المدينة و العرس في الريف، اذ ان العرس في المدينة يتجه الموكب الى البحر ليلامس العريسين مياة البحر و اخذ صور تذكارية و بعدها التوجه الى البيت، اما في الريف فيكتفي الموكب بجولة صغيرة في الحي الذي يسكن فيه، كما أن ما يميز موكب العرس أن العريس يسبق الموكب رفقة أصدقائه إلى مكان محدد مسبقا و عند وصول الموكب إلى ذلك المكان يجد العريس بانتظاره ليقوم بوضع العطر لجميع من في الموكب سيارة بسيارة حتى انتهائه كاملا ثم يعاود اللحاق بموكب العروس.
بعد الجولة القصيرة يتجه الموكب الى البيت،حيث تستقبل من طرف العائلة و تتقدمهم فرقتين من النسوة التي تؤدي بعض الأغاني منها اغنية خاصة بالترحيب، حيث تغني الفرقة الأولى و تعيدها الفرقة الثانية
" يا مرحبا و جوز و قرب يا مرحبا، و يا مرحبا بعروستنا المذهبة
و يا مرحبا و جوز و قرب يا مرحبا، و يا مرحبا بنسيبتنا .....".
ثم تستمر النسوة في أداء أغاني قصد مدح العروس مثال:
" يا لالا يا لعروسة أسي ما تبكيش ، أسي ما تبكيش جيبنالك الرزمة الثقيلة و البليغة حشيشي
يا لالا لعروسة يا رجلين لحمامة أخرجي لبنات عمك بقيهم بالسلامة
و عدينا على بحيرة عجبني فقوسها ، عجبتني لعروسة و عجبني حرقوسها
و عدينا على البطيما و عجبوني طيقانها واش عجبني في لعروسة عجبني فيها سيقانها
يا ام لعروسة وصي بنتك على الشيخ و لعجوزة و اللوسة تخطيها و الشيخ ولعجوز تقولهم صباح الخيرا "
في حين تكون ربة البيت قد جهزت نفسها لأداء بعض الطقوس اللازمة على العروس قبل دخول البيت الجديد، حيث يحضر كأس من الحليب يقدم للعروس وقت وصولها أمام البيت، كما تقدم لها خليط من القمح و الفول و الحلوى و أربع بيضات، تقوم العروس برمي حبات البيض في الاتجاهات الأربع، و باقي الخليط ترميه بطريقة عشوائية من فوق رأسها، ثم يدخل العروسين الى البيت لاخذ صور تذكارية مع الأهل.
في المساء تقدم مأدبة العشاء للمدعويين و التي تتكون من الكسكس و الفريك (الشربة ) و السلطة و الفواكه، بعدها تقدم التهاني للعريس و تبدا الحفلة التي تكون بالزرنة الجيجلية و يكون فيها جو من المنافسة التي تسمى محليا التبراح (اثناء الحفلة و قرع الطبول ينادي احد المدعوين على البراح، و يعطيه مبلغ مالي و يطلب منه ان يذخل احد المنافسين للرقص و أن يصفه بالبخل أو الجبن ...الخ، و ما على البراح الا ان ينفذ الامر قائلا " ارجع يا مقروني الزين و قولي هذي منين، هاذي من عند خويي فلان و....( مع قليل من المدح ) و راهو يطلب من فلان ......" ثم يستمر قرع الطبول و الرقص ثم يقطع من طرف المنافس ليثأر(عادة التبراح غير موجودة في مدينة جيجل).
ثم ينتهي الحفل و تبدأ الحنة ، حيث تتقدم احدى قريبات العريس لوضع الحنة له و تشعل الشموع، و تجمع الهدايا يقدم للحاضرين انواع الحلويات.
اليوم الذي يلي العرس (التالت): هذا اليوم خاص بأهل العروسين حيث يدعى أهل العروس في الصباح و يحضرلهم طبق الغرايف ، ثم ياتي احد الاطفال ليربط حزام العروس و التي تقابله هي بهدية اخرى، في المساء تحضر مادبة العشاء و التي تتكون من طبق الشخشوخة أو الكسكس أو الدويدة كطبق رئيسي مع الفريك و و السلطة و الفواكه .