المدرسة: متحف الشخصيات التاريخية

     المدرسة، هذا البناء ذو الساحة المركزية المصنوعة من الرخام محاطة بأعمدة تحمل أقواس تتوسطها نافورة جميلة تعلوها قبة، شيد هذا البناء من طرف المهندس (بيير بونيل) وفقا للطراز المعماري الموريسكي   و رسم تشكيليا من قبل (ألبير باللي). هذه التحفة المعمارية التي يعود تاريخ تشييدها إلى سنة 1909، تزخر بتنوّع فني و ثراء معمارة من نحت و نقش و فسيفساء...

    تقع المدرسة بقلب قسنطينة شرق المدينة العتيقة، بمكان استراتيجي باعتباره نقطة التقاء بين النسيج العمراني المحلي و الكولونيالي، أين تقف شامخة في مفترق طرق أحياء و أزقة مهمة منها شارع العربي بن مهيدي الذي تتوّسطه و تربطه بحي ملاح سليمان، بمحاذاة بنايات قديمة تعود إلى بداية القرن الماضي، منها بناية ابن باديس و مقهى النجمة الشهير و مصعد ملاح سليمان المؤدي إلى جسر ملاح سليمان المطل على وادي الرمال.

    تبدو من الخارج كأنها مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، جزء رئيسي تتوسطه قبة ضخمة و جزئين جانبيين تعلوهما قبتين صغيرتين و هي القباب التي تظهر بشكل جلي من الجهة الأمامية الواقعة بشارع العربي بن مهيدي، فيما تبرز بشكل أكبر بالجهة الخلفية المطلة على وادي الرمال القبة الضخمة المرصعة بالخزف الأزرق و الأبيض عن باقي القباب ذات الأشكال و الأحجام المختلفة و إن كانت القبة المرصعة بقطع الفسيفساء الخزفية تجذب الأنظار هي الأخرى رغم صغر حجمها.

     يمكن تأمل جمال العمارة الإسلامية بمجرّد الوقوف أمام المدخل الرئيسي حيث تلفت الانتباه نافورة من الرخام تذكر الزائر بخصوصية القصور العثمانية التي يضفي عليها تنوّع الخزف اليدوي المشابه للخزف العثماني حسب المختصين الذين أكدوا تشابه بعضه مع ذلك الموجود بقصر أحمد باي و الكثير من البيوت القديمة، حيث اختلفت أشكال و أحجام الزليج التقليدي من رواق إلى آخر بشكل يضفي على المكان رونقا و يجعل الزائر يشعر و كأنه بمتحف للخزف و الرسومات و الزخارف البارزة.
     بالإضافة إلى كثرة النوافذ و تنوّع أشكالها من المستطيل إلى المربع إلى نصف الدائري أو المربع الذي يعلوه قوس على شكل حدوة حصان، تستقطب هي الأخرى الاهتمام، خاصة تلك المصطفة على طول الدرج المؤدي إلى الطابق السفلي الأول و المطلة على مضايق الرمال، فيما تعكس أخرى خصوصية البيوت المحلية و ما توليه من أهمية لحرمة البيت، و ذلك من خلال إعتماد نوافذ داخلية لها نفس خصوصية المشربيات.

     الأعمدة الكثيرة الموجودة تضفي هي الأخرى جاذبية خاصة على المبنى، بدءا بتلك الموجودة بالواجهة الأمامية للمدرسة و تلك التي ترتكز عليها القبب و التي تجمع بينها أوتاد خشبية من الخشب الأحمر الكثيف دائما، و غالبا ما تكون مزّينة بنقوش تحمل رسومات نباتات شوكية، و أخرى ترتكز على الحجر الأزرق. 
     كل جزء في المدرسة يخفي لمسة إبداعية للفنون الصغيرة و التطبيقية، التي تظهر بجلاء في النقوشات الكثيرة التي تزين الأخشاب المستعملة في أطر النوافذ و الأبواب و الدرابزين في هذه البناية المنقسمة إلى ثلاثة طوابق هي الطابق الأرضي و طابقين سفليين يوجد بكل طابق عدد من القاعات الشاسعة التي استعملت كمكاتب و قبلها كأقسام و مخابر بحث و ذلك بحسب تغيّر وظيفتها عبر مختلف المراحل.

    الحديث عن المدرسة يعيد إلى ذاكرة المفكر مالك بن نبي (1905-1973) الذي كان واحدا من بين الشخصيات التي درست بهذا المكان و كانت له جهود كبيرة في بناء الفكر الإسلامي الحديث وفي دراسة المشكلات الحضارية.
و من الشخصيات التي تابعت دراستها بالمدرسة المخرج و الكاتب الدرامي الراحل محمد بن قطاف، كما عرفت المدرسة مرور مفكرين و تلاميذ العلامة عبد الحميد بن باديس.

و قد شهدت المدرسة على مر السنين تنشيط ندوات فكرية، علمية و سياسية شارك فيها الكثير من المختصين في مختلف المجالات.

     عرفت المنشأة في مطلع التسعينات احتضانها مركز التوثيق المتخصص في مذكرات التدرج و ما بعد التدرّج، قبل تغيير نشاطها مرة أخرى و جعلها أكاديمية جامعية قبل ان تحول مقرا للخلية الولائية لمتابعة عمليات ترميم المدينة القديمة و كذا مقر مؤسسة ابن باديس.

    أما عن وظيفة المبنى الحالية مغلق في انتظار قرار الإنشاء فقد تم تحويله إلى متحف لتخليد ذاكرة أهم الشخصيات التاريخية في إطار مشاريع قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015 ليصبح متحفا للشخصيات التاريخية.

 

العنوان:
شارع العربي بن امهيدي –قسنطينة-

مواقع قريبة من: "المدرسة: متحف الشخصيات التاريخية"