ضريح الصومعة بالخروب " ضريح ماسينيسا "

يختلف ضريح الصومعة بالخروب عن باقي المعالم الجنائزية أو الاضرحة الملكية، لما يتميز به من مواصفات معمارية و خصائص دينية، بحيث يشكل نموذجا مختلفا عن الاضرحة الكبرى ذات الأصول البربرية التي تتميز منشأتها بقاعدة أسطوانية أو مربعة بالإضافة إلى هذا فهو يندرج ضمن العمارة الجنائزية ذات التأثيرات الإغريقية كما هو الشأن بالنسبة لضريح سيقا أو ضريح دوقة.
الضريح لم يكن مخصصا فقط للدفن بل لتخليد ذكرى حدث معين أو شخصية ما، هذا الأمر يفسره الأثاث الجنائزي الذي تم العثور علية داخل غرفة الدفن والذي يختلف عن الملحقات الجنائزية التي عودتنا إياها الأضرحة الكبرى.
المعلم مدرج في قائمة 1900 التي تضم المعالم التاريخية والمواقع الأثرية المصنفة ضمن التراث الثقافي الوطني المحمي، بقرار صادر في الجريدة الرسمية رقم 07 مؤرخ في 23 جانفي 1968.
شيد الضريح على هضبة صخرية على بعد 03 كلم شمال شرق مدينة الخروب، وعلى بعد 14 كلم من العاصمة الملكية سيرتا – قسنطينة-.
يتميز ببناء جيد الإتقان يتجلى على شكل قلعة ذات طوابق قد يصل إرتفاعها إلى 30 م طولا حيث إستعملت حجارة ضخمة مصقولة بشكل جيد يتجاوز طولها المترين، يرتكز على قاعدة مربعة طول ضلعها 10.50 م على 2.80 م إرتفاعا، هذه القاعدة تحمل ثلاثة درجات ترتكز عليها القاعدة القصيرة المزينة بالناتئات Moulures في الأسفل و الأعلى و التي يصل طول ضلعها إلى 8.40 م، ترتفع فوقها أربع كتل على شكل ركائز تشكل زوايا مربع تبلغ أبعاد كل ضلع فيه 5.55 م مزخرفة خارجيا بدروع كبيرة ذات شكل دائري.
تهدم القسم العلوى للمبنى الأمر الذي جعل عملية إعادة تصور ترتيب قمة المبنى مجرد فرضيات، حيث إفترض س. غزال S. Gsell  أن قمة الهرم كانت على شكل أرضية أو قاعدة لتمثال أو نموذج زخرفي ما بينما إقترح الباحث الالماني ف. راكوب F.Racobهرما قد يحتضن تمثالا أو شكلا ما.
تاريخ الأبحاث و الدراسات:
بالرغم من أن التسمية التي يحملها الضريح هي تسمية عربية ( الصومعة) والتي تشبه هذا الضريح بصومعة المساجد، إلا أنه لا توجد إشارة لهذا المعلم في مصادر التاريخ القديم أو الوسيط بل يجب إنتظار العهد الإستعماري للوقوف على معلومات متعلقة بالضريح حيث نجد الإشارة الأولى إليه كانت سنة 1838.
بعدها توالت العديد من الدراسات في السنوات اللاحقة حيث أشار إليه أ. بربروغرA. Berbrugger سنة 1843، إ. رافوازيه E. Ravoisier سنة 1846، دولامار  A. Delamare سنة 1850، وفي سنة 1862 قدم كل من دو ريموند De Remond  و شاربونو A. Charbonneau تقريرا لحاكم مقاطعة قسنطينة حول التنقيبات التي نظمت بالصومعة.
كانت الحفريات الحقيقية التي خص بها المعلم سنتي 1915-1916 بإشراف من مصلحة المعالم التاريخية بالجزائر، حيث تم تهديم الضريح عن أخره الأمر الذي سمح بإكتشاف الغرفة الجنائزية، ثم أعيد بناؤه ثانية رغم أن عملية البناء لم تكن وفقا لأسس علمية لأن عملية ترقيم الحجارة أثناء التهديم كانت بإستعمال طلاء سرعان ما إندثر، فضلا عن كون أشغال البناء توقفت عند الطابق الأول فقط- كما لوحظ أن المكتشفات داخل الغرفة الجنائزية لم تعن بدراسة وجرد حقيقيين.
تبقى معلوماتنا حول هذا الضريح مستمدة أساسا من الدراسة التي نشرها م. بونيل M. Bonnell بإعتباره المشرف على الحفريات، لم يحض المعلم بدراسة جدية إلا سنة 1979-1980 من طرف متحف مدينة بون الألمانية في إطار المعرض الذي نظم حول الأضرحة الملكية النوميدية حيث إقترح الباحث الألماني راكوب F.Rakob تصورا جديدا لشكل الضريح على أساس المعطيات المعمارية و الأثرية.
الغرفة الجنائزية:
أعدت الغرفة الجنائزية فوق الأرضية الأصلية ويبدو أن الضريح بني عليها،وهي عبارة عن غرفة تتراوح أبعادها بين 02 م طول 01 م عرض أما إرتفاعها فلا يتجاوز 0.90 م وقد وضعت على عمق 1.50 م، أرضيتها مغطاة ببلاطات من الحجر وجد فوقها مباشرة إناء فضي يحتوى على رماد و بقايا عظام مفحمة كما عثر على سبعة جرار فخارية مهشمة، وجدت في الجهة الشرقية من غرفة الدفن جرتين قائمتين إلا أنهما فارغتين، أما في الجهة الجنوبية فوجدت أخرى مائلة إلا أنها سليمة، كما عثر على بقايا أربعة جرار أخرى مهشمة، و لم يعثر في الجرار السليمة إلا على بقايا مياه الأمطار المتسربة وعثر في واحدة منها على بقايا عظام مفحمة.
كما عثر على أسلحة و لباس لمحارب يتمثل في خودة حادة من الأعلى وممتدة من الأسفل لتغطى العنق و الأذنين، سيف، صدرية، رؤوس رماح كان أغلبها مغروسا في سقف الغرفة، بالإضافة إلى أواني فضية وميدالية تحمل صورة الإله بوسيدون.
تم تأريخ المخلفات الجنائزية بنهاية القرن 02 ق.م الأمر الذي جعل الباحثين يحاولون ربط هذا التأريخ بالسنة التي توفي فيها مسيبسا (مكوسن)، رغم ان ماسينيسا أو مسيبسا هما الشخصيتين المرشحتين للدفن في مثل هذا الضريح، فالمعطيات المعمارية و الأثرية لا تسمح في الواقع بتقديم إجابة قاطعة حول إسم هذه الشخصية مادمنا لم نعثر على نقيشة تتحدث صراحة عن الشخصية او العائلة التي شيد من أجلها الضريح، وقد ذهب الباحث أ.بيرتي A.Berthier أبعد من ذلك جيث أوضخ أنه إذا كان ضريح دوقة هو مكان دفن ماسينيسا  وذلك لأسباب عديدة أهمها القراءة التي قدمها ب. شابو B. Chabot لنقيشة هذا الضريح والتي تتحدث عن السنة العاشرة من حكم ميسيبسا أي حوالي سنة 139 ق.م فضلا عما إقترحه أ. لزين A. Lezine بأن هندسة ضريح الصومعة تجعل تاريخه في حدود نهاية القرن 02 ق.م و هو ما أكدته الدراسات الألمانية التي أجراها متحف بون Rheinisches  Landes Museum Bonn و التي أعطت تقدير زمني يتراوح بين 130 و 110 سنة ق.م مما يجعلها تبتعد بفترة زمنية تقدر بحوالي 20 إلى 40 سنة عن التاريخ المرجح لوفاة ماسينيسا.
يمكن أن تعود البقايا المادية الموجودة داخل غرفة الدفن بالضريح لأحد شخصيات مدينة سيرتا في الفترة البونيقة وهو ما يجعلنا امام نفس الأشكالية: من هي هذه الشخصية، و لمن تعود هذه المخلفات الجنائزية...؟
علقس. غزال S. Gsellعلى الموضوع فإعتبر أن الأثاث الجنائزي هوعبارة عن عدة حرب لأمير أو ملك توفي في منتصف القرن 02 ق.م في حين ان أغلبية هذه الأسلحة أجنبية أو مستوردة: الخوذة، الصدرية، السيف.
كما إعتبر غ. كامبس G. Camps أن هذه الأسلحة تتميز حقيقة عن الأسلحة النوميدية و المورية لكنها ليست غريبة عن الأسلحة القرطاجية أو المشرقية عموما وهي نفس الإستنتاجات التي كرستهاالدراسة التي أعدها متحف بون، ومع ذلك لايمكن نفي امتزاج التقاليد المحلية بالمؤثرات الإغريقية و الفينيقية في مثل هذه العمارة خاصة وأن ضريح الصومعة يندرج ضمن سلسلة من الأضرحة المتميزة مثل صبراتة، سيقا و دوقة. و هو امر لن يتأتى إلا لأسرة ملكية لها من القوة و النفوذ على المحيط الخارجي ما يجعلها قادرة على تحقيق هذه الثنائية.
من الواضح أن ضريح الصومعة أحدث عهدا من ضريح إمدغاسن، يتجلى ذلك من خلال المواصفات المعمارية و المخلفات الجنائزية وبالتالي فإن قربه من العاصمة سيرتا يؤكد على طبيعة التطور الذي عرفته المملكة الماسيلية خلال القرن 02 ق.م على أساس أن منطلقات الدولة الماسيلية الأولى كانت حول المدغاسن، وذلك في شكلها القبلي في نهاية القرن 04 ق.م وعندما توفرت الشروط الملائمة لتكوين الدولة أنتقلت بعد ذلك إلى سيرتا لتظهر في شكلها الملكي و الذي عرفت به منذ القرن 03 ق.م.

المصدر: د. يوسف عيبش، سيرتا بين المدغاسن و الصومعة - الجزائر النوميدية -، الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، ص 101-107.

العنوان:
الخروب ولاية قسنطينة

مواقع قريبة من: " ضريح الصومعة بالخروب " ضريح ماسينيسا ""